الثلاثاء، سبتمبر ٠٤، ٢٠٠٧

ابدأ معنا لنصل معا


مصر بخير .
بقلم د.سحر الموجى
قررت اليوم من باب التغيير أن أغلق باب النكد مؤقتا، وأن أكتب عن شيء جميل، قررت أن أبشركم أن مصر بخير،
لماذا أري استغرابا في أعينكم؟!
«مصر بخير طبعا».. هذه ليست آخر النكات التي برع المصريون في تأليفها للسخرية من حالهم التي لا ترضي عدوا ولا حبيبا، مصر بخير رغم الغلاء المرعب الذي يحاصرنا ورغم الفساد والاستبداد الأمني بأبناء هذا الوطن الذين يقذفون من الشرفات، ويقتل صبيانهم تعذيبا علي أيدي أفراد الشرطة، وتموت بناتهم باسم العفة والطهارة، رغم كل شيء مصر بخير. إنها قناعة حقيقية لدي، صحيح أنها تذبل وتتراجع أمام سيل الأوجاع الذي يحاصرنا لكن بين الحين والآخر تأتيني ومضات تضيء ليلي وتذكرني أن جسد مصر لايزال ينبض بالحياة.
كان الروائي محمد كمال قد طلب مني حضور لقاء أدبي لمجموعة من الشباب يطلقون علي جماعتهم اسم «ابدأ» وذلك في مركز طلعت حرب الثقافي في منطقة السيدة عائشة، وافقت ولم تكن لدي توقعات محددة من اللقاء، هكذا أنا في أغلب الأحيان: أحيا بأقل قدر ممكن من التوقعات، ربما لأن هذا يقودني إلي مفاجآت غير متوقعة.
بدا المكان أنيقا وقد عرفت لتوي من المديرة، أستاذة إيمان عبدالمحسن، أن مكتبة طلعت حرب قد تم تجديدها وتحويلها إلي مركز ثقافي متكامل يمنح الفرصة للأطفال والمبدعين لأن يمارسوا فنونا متعددة ويتيح لسكان المنطقة وكل المهتمين بالثقافة والفنون أن يستمتعوا بعروض ثقافية وفنية، وكان العرض في الحديقة، تكون العرض من قراءات شعرية وقصصية لمجموعة من الشباب الذي رأيت في عيونهم ألق الحلم لا يزال نابضا: فاطمة فكار ودعاء عبده بتلك البشرة المصرية السمراء والضحكة الواسعة الآتية من القلب تقرآن قصصا تفضح عورات الواقع الرديء، محمود منسي بسخرية لاذعة في قصصه وقدرة علي التقاط اللحظات الإنسانية المربكة، وأشعار عامية لوائل فتحي ورامي عادل وخليل عزالدين وجمال خيري امتزجت بالقصص وبالأداء الحركي للشعراء الشباب الذين بدأوا العرض متشابكي الأيدي في ودائرة مغلقة وأجسادهم تواجه الجمهور، ومقاطع غنائية لمحمود وحيد بصوته القوي العذب الواثق من نفسه بلاادعاءواستدعائه لتراث غنائي جميل.
ساحة المركز الثقافي مفتوحة علي السماء تحوطها مآذن منطقة السيدة عائشة عن بعد وأشجار عتيقة وهدوء يبعدك عن صخب القاهرة رغم أنك في قلبها تماما، امتزج سحر المكان بالقصص والأشعار والأغاني فتركت نفسي لموجة سحر رائقة، هؤلاء الشباب لم ينشروا بعد أول كتاب لهم لكن كتاباتهم تتسم بالثقة من الأدوات والقدرة علي التعبير عن هموم جيلهم وتطرح حالة كثيفة من الاغتراب، صفقت كثيرا لهم، وكنت أصفق لمصر التي لا تفتأ تنجب مبدعين يتحدون بإبداعهم دوائر القهر التي تزداد ضيقا.
بعد انتهاء القراءات توالت أسئلتهم لي، شعرت بالخجل يداهمني.. من أنا حتي أرد علي أسئلة كبيرة تطرح قضايا ثقافية عامة وتتساءل عن مستقبل القصة القصيرة في مصر؟! منحت ما لدي من تكهنات وتبرأت من أن لدي إجابات جاهزة في مجتمع ثقافي يبدو أحيانا شديد العشوائية، لكنني أكدت علي شيئين: أنني فرحة بهم وبمستوي النصوص التي قدموها وأنني أخاف عليهم من الانكسار. قلت لهم: «الحياة صعبة وطريق الكتابة شاق، أرجو ألا تتراجعوا». وكانت ابتساماتهم الواسعة وتأكيداتهم أنهم متمسكون بالحلم.
بقي أن أخبركم أن جماعة «ابدأ» تتكون من شباب لا تتعدي أعمارهم الخامسة والعشرين، طلبة جامعات وخريجين بدأوا مجموعتهم من عامين ليس أكثر ولم يتعد شرطهم الانضمام لـ«ابدأ» أن يتميز العضو الجديد بعشق الكتابة والطموح، يعقدون اجتماعا أسبوعيا في أتيليه القاهرة ويبحثون عن أماكن تسمح باستضافتهم لتقديم هذه العروض الأدبية -الفنية. تتميز «ابدأ» بهذا الشكل المسرحي لتقديم الأدب، ومن هنا يأتي المزج بين القصص والشعر والموسيقي والغناء والأداء الحركي، وخلف هذا الاختيار تقف رغبتهم في التواصل مع الناس العاديين خارج الدوائر الثقافية المعتادة.
كانت ليلة السبت ١٨ أغسطس يوما خاصا جدا بالنسبة لي، جاءتني كومضة شهاب مارق، ذكرني أن مصر ولادة لا تفتأ تقاوم القهر والفقر والمرض بالإبداع والفن وطموح ناسها أن يتحققوا. مصر بخير طبعا طالما قبض شبابها المبدع علي جمر الحلم بغد أكثر إنسانية
المصرى اليوم
2007..9..2